خرج عمر بن عبد العزيز .. في جنازة بعض أهله فلما أسلمه إلى الديدان .. ودسه في
التراب .. التفت إلى الناس فقال :
أيها الناس :
إن القبر ناداني من خلفي .. أفلا أخبركم بما قال لي ؟
قالوا : بلى ..
فقال : إن القبر قد ناداني فقال :
يا عمر بن عبد العزيز .. ألا تسألني ما صنعت بالأحبة ؟
قلت : بلى .
قال : خرقت الأكفان .. ومزقت الأبدان .. ومصصت الدم .. وأكلت اللحم ..
ألا تسألني ما صنعت بالأوصال ؟
قلت : بلى .
قال : نزعت الكفين من الذراعين .. والذراعين من العضدين .. والعضدين من الكتفين ..
والوركين من الفخدين .. والفخدين من الركبتين .. والركبتين من الساقين .. والساقين
من القدمين .
ثم بكى عمر فقال :
ألا إن الدنيا بقاؤها قليل .. وعزيزها ذليل ..
وشبابها يهرم .. وحيها يموت .. فالمغرور من اغترَّ بها ..
أين سكانها الذين بنوا مدائنها ..
ما صنع الترابُ بأبدانهم ؟
والديدانُ بعظامهم وأوصالهم ؟
كانوا في الدنيا على أسرةٍ ممهدة .. وفرشٍ منضدة ..
بين خدم يخدمون .. وأهلٍ يكرمون ..
فإذا مررت فنادهم .. وانظر إلى تقارب قبورهم من منازلهم ..
وسل غنيَّهم ما بقي من غناه ؟
وسل فقيرَهم ما بقي من فقره ؟
سلهم .. عن الألسن .. التي كانوا بها يتكلمون .. وعن الأعين التي كانوا إلى اللذات
بها ينظرون ..
وسلهم عن الجلود الرقيقة .. والوجوه الحسنة .. والأجساد الناعمة ..
ما صنع بها الديدان ؟
محت الألوان .. وأكلت اللحمان .. وعفرت الوجوه .. ومحت المحاسن ..
وكسرت القفا .. وأبانت الأعضاء .. ومزقت الأشلاء ..
أين خدمهم وعبيدهم ..أين جمعهم ومكنوزهم ؟
والله ما زودوهم فَرْشا .. ولا وضعوا هناك متكئاً ..
أليسوا في منازل الخلوات .. وتحت أطباق الثرى في الفلوات ؟
أليس الليل والنهار عليهم سواء ؟
قد حيل بينهم وبين العمل .. وفارقوا الأحبة والأهل ..
قد تزوجت نساؤهم .. وترددت في الطرق أبناؤهم ..
وتوزعت القرابات ديارهم وتراثهم ..
ومنهم والله الموسع له في قبره .. الغض الناضر فيه .. المتنعم بلذته ..
ثم بكى عمر وقال :
يا ساكن القبر غداً ..
ما الذي غرك من الدنيا ! ..
أين رقاق ثيابك .. أين طيبك .. أين بخورك ..
كيف أنت على خشونة الثرى ..
ليت شعري بأي خديك يبدأ الدود البِلى ..
ليت شعري ما الذي يلقاني به ملك الموت عند خروجي من الدنيا .. وما يأتيني به من
رسالة ربي ..ثم بكى بكاءً ..
ثم انصرف فما بقي بعد ذلك إلا جمعة .. ومات .. رحمه الله :farao: مات عمر ابن عبد العزيز الجسد ولم يمت الإسم ولا الفكرة
رضي الله عنه رمز العدل والرفق والإحسان والإيثار
ليتنا نرزقذكراحسنا بعد الموت ولو ربع معشار مما لعمر بن عبد العزيز
هذا الولي الصالح والعالم والمبارك والأمير العادل
ميتة كميتتك يا عمر يتمناها الجميع
خاتمة كخاتمتك نريدها كلنا
عملا كعملك تنوء به الجبال
لعل روح عمر ابن عبد العزيز قد حطت رحالها في الجنة منذ قرون
كلماته عن الموت تدمي القلب وتهز النفس
اللهم انفعنا بها علما وعملا وارزقنا بها يقينا